الفهرس
- 7 -
أخبر الإدارة عن أخطاء مطبعية أو ملاحظات
حوار هادئ
لقي رجل اسمع عبد الله رجلاً آخر اسمه عبد النبي ، فأنكر عبد الله هذا الاسم في نفسه ، وقال : كيف يتعبد أحد لغير الله عز وجل ، ثم خاطب عبد النبي قائلاً له : هل أنت تعبد غير الله ؟ قال عبد النبي : لا ، أنا لا أعبد غير الله ، أنا مسلم وأعبد الله وحده .
قال عبد الله : إذاً ما هذا الاسم الذي يشبه أسماء النصارى في تسميهم بعبد المسيح ، ولا غرابة فإن النصارى يعبدون عيسى عليه السلام ، والذي يسمع اسمك يتبادر إلى ذهنه أنك تعبد النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس هذا هو معتقد المسلم في نبيه ، وإنما يجب عليه أن يعتقد أنه عبد الله ورسوله .
فقال عبد النبي : ولكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم خير البشر وسيد المرسلين ، ونحن نتمسى بهذا الاسم تبركاً وتقرباً إلى الله بجاه نبيه صلى الله عليه وسلم ومكانته عنده ، فنطلب من النبي صلى الله عليه سلم الشفاعة لمكانته عند ربه عز وجل ، ولا تستغرب فإن أخي اسمه : عبد الحسين ، وقبله أبي اسمه : عبد الرسول ، والتسمي بهذا الأسماء قديم ومنتشر بين الناس ، وقد وجدنا آباءنا على هذا ، فلا تشدد في المسألة ، فإن الأمر سهل والدين يسر .
فقال عبد الله : وهذا منكر آخر أعظم من المنكر الأول ، وهو أن تطلب من غير الله مالا يقدر عليه إلا الله ، سواء كان هذا المسؤول هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو من دونه من الصالحين ، مثل الحسين رضي الله عنه أو غيره ، وهو منافٍ للتوحيد ، ولمعنى لا إله إلا الله .
وسوف أعرض عليك بعض الأسئلة ليتبين لك عظم الأمر ، وتبعات التسمي بهذا الاسم وأمثاله ، وليس لي هدف ولا مقصد إلا الحق واتباعه ، وبيان الباطل واجتنابه ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والله المستعان وعليه التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، ولكن أذكرك بقوله عز وجل : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا) وقوله عز وجل : ( فإن تنازعتم في شيءٍ فردّوه إلى الله والرسول) .
عبد الله : أنت قلت أنك توحد الله ، وتشهد أن لا إله إلا الله فهل لك أن تبين لي معناها؟
عبد النبي : التوحيد هو أن تؤمن أن الله موجود ، وهو الذي خلق السماوات والأرض ، وأنه المحيي المميت المتصرف بالكون الرزاق ...إلخ .
عبد الله : لو أن هذا هو تعريف التوحيد فقط لكان فرعون قومه وأبو جهل وغيهرم موحدين ، لأنه ليس هناك أحد ينكر هذه الأمور التي ذكرتها ، ففرعون الذي ادعى الربوبية كان يعترف ويؤمن في نفسه أن الله موجود وهو المتصرف بالكون ، والدليل قوله عز وجل : ( وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً) ، وقد ظهر هذا الاعتراف جلياً حين أدركه الغرق .
ولكن التوحيد هو : إفراد الله بالعبادة ، والعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة ، والإله في ( لا إله إلا الله ) بمعنى : المعبود الذي لا تصلح العبادة إلا له .
عبد الله : وهل تعلم لماذا أرسلت الرسل في الأرض ، وأولهم نوح عليه السلام ؟
عبد النبي : لكي يدعو المشركين إلى عبادة الله وحده وترك كل شريك له عز وجل .
عبد الله : وما هو سبب شرك قوم نوح ؟
عبد النبي : لا أعرف !
عبد الله : أرسل الله نوحاً إلى قموه لما غلوا في الصالحين ود ، وسواع ويغوث ويعوق ونسر .
عبد النبي : أتعني أن وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً هي : أسماء رجال صالحين وليست أسماء لجبابرة كافرين ؟
عبد الله : نعم هذه أسماء رجال صالحين اتخذها قوم نوح آلهة ، وتبعهم العرب في ذلك ، ودليل ذلك ما رواه البخاري عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال : (صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد ، أما ود كانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سواع كانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ ،وأما يعوق فكانت لهمدان وأما نسر فكانت لحِمْير لآل ذي الكلاع أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصاباً وسمّوها بأسمائهم ففعلوا فلم تُعبد ، حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عُبدت ) .
عبد النبي : هذا كلام عجيب !
عبد الله : ألا أدلك على ما هو أعجب منه ؟ أن تعلم أن خاتم الأنبياء محمداً صلى الله عليه وسلم قد أرسله الله إلى قوم يتعبدون ويحجون ، ويتصدقون ، ولكنهم يجعلون بعض المخلوقات وسائط بينهم وبين الله ، يقولون : نريد منهم التقرب إلى الله ، ونريد شفاعتهم عنده ، مثل الملائكة ، وعيسى عليه السلام ، وأناس غيرهم من الصالحين ، فبعث الله محمداً يجدد لهم دين أبيهم إبراهيم عليه السلام ، ويخبرهم أن هذا التقرب والاعتقاد محض حق لله لا يصلح منه شيء لغير الله ، فهو الخالق وحده لا شريك له ، والذي لا يرزق إلا هو ، وجميع السماوات السبع ومن فيهن ، والأرضين السبع ومن فيهن كلهم عبيده ، وتحت تصرفه وقهره ، بل حتى الآلهة التي كانوا يعبدونها يعترفون أنها تحت ملكه وتصرفه .
عبد النبي: هذا كلام خطير وعجيب ، فهل من دليل عليه ؟
عبد الله : هناك أدلة كثيرة ، منها قوله عز وجل : ( قل من يرزقكم من السماء والأرض أمّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبّر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون ) وقوله عز وجل : ( قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون * سيقولون الله قل أفلا تذكّرون * قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم * سيقولون لله قل أفلا تتقون * قل من بيده ملكوت كل شيءٍ وهو يجير ولا يُجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون لله قل فأنّي تُسحرون ) وكان المشركون يلبون في الحج بقولهم : ( لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكاً هو لك ، تملكه وما ملك ) .